الجناح الإرهابي داخل الحكومة العراقية يعارض زيارة الشرع.
كثّفت "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق"، وهما جماعتان إرهابيتان من شركاء رئيس الوزراء السوداني في الحكومة، جهودهما لمنع الرئيس السوري الجديد من المشاركة في قمة بغداد.

مع بدء موسم الحملة الانتخابية في العراق، واستعداداً للانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في تشرين الثاني/نوفمبر، كثّفت عدة وسائل إعلام محسوبة على ما تُسمى بـ "المقاومة "انتقاداتها للحكومة، بسبب دعوتها الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع (المعروف بـأبي محمد الجولاني) لحضور قمة جامعة الدول العربية في بغداد يوم 17 أيار/مايو. (للاطلاع على قراءة سابقة لهذا التوجه، يُرجى مراجعة هذا المقال من سلسلة " الأضواء الكاشفة للميلشيات ".
"كتائب حزب الله" وسند والكلابي يتصدرون الحملة

جديرٌ بالملاحظة أن أعضاء البرلمان العراقيين الذين اصطفوا لمعارضة زيارة الشرع هم تقريباً نفس الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في قائمة المدعوين إلى الجنازة الرسمية التي أقيمت لزعيم "حزب الله اللبناني" حسن نصر الله في شباط/ فبراير. ففي 11 أيار/مايو، انضم مصطفى سند، وهو برلماني مرتبط بـ"كتائب حزب الله" (الشكل 1)، إلى صفوف أشد معارضي دعوة الشرع، داعياً إلى تنظيم احتجاجات في البصرة وبغداد. وقد قوبل ذلك برد سريع من جانب وزارة الداخلية، التي حذرت من أن أي احتجاجات ستُقام بين 11 و20 أيار/مايو، ستكون غير قانونية (انظر الشكل 2). كما تم تداول منشور لسند على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي المحسوبة على ما تسمى بـ "المقاومة"، يتحدى فيه وزارة الداخلية بشكل مباشر قائلاً: "سأحتج؛ وإن كانت لديكم الشجاعة، فاعتقلوني". وتجدر الإشارة إلى أن سند هو أحد أتباع عادل عبد المهدي وشخصية بارزة في حكومة رئيس الوزراء السابق، عندما ترأس عبد المهدي أول حكومة مقاومة في العراق في الفترة بين 2018 و2020، وهي الفترة التي شهدت مجازر ضد المدنيين المتظاهرين خلال انتفاضة "تشرين". كما أشارت منصة "الأضواء الكاشفة للميلشيات" سابقاً إلى أن عبد المهدي أصبح الآن بمثابة العراب السياسي للعديد من المسلحين المدعومين من إيران في العراق.

كما رد يوسف الكلابي، وهو برلماني آخر مؤيد لـ "المقاومة "، على بيان الوزارة من خلال تغريدة نشرها على منصة " إكس/ تويتر" قال فيها: في حال حضور (الجولاني)، لن نتردد أبدا باستخدام كل الطرق السلمية للتعبير عن رفضنا القاطع لوجوده. وأما الحكومة ورئاسة الجمهورية فيكونوا خرقوا القانون وسنقاضيهم " (الشكل 3). بالإضافة إلى ذلك، أرسل سعود السعدي، رئيس "كتلة حقوق" التابعة لـ"كتائب حزب الله"، استفساراً برلمانياً إلى وزارة الداخلية، طلب فيه توضيح الأساس القانوني لحظر الاحتجاجات خلال القمة (انظر الشكل 3). ويُعرف السعدي بدوره في عرقلة اتفاق العراق البحري مع الكويت.
منظمة بدر ضد العصائب
في المقابل، واصلت "منظمة بدر" دعمها للسوداني وسعت إلى تحصينه ضد الانتقادات. ففي 30 نيسان/أبريل، قال عضو "منظمة بدر" عدي الخدران لـ"شفق نيوز" إن القيادة السياسية للميليشيات في "الإطار التنسيقي" فوضت رئيس الوزراء السوداني لاتخاذ قرار بشأن مشاركة الشرع في القمة من عدمها. ويُذكر أن الخدران كان يشغل منصب عمدة مدينة الخالص، مسقط رأس زعيم "منظمة بدر" هادي العامري، ومعقل التنظيم. وفي الرابع من أيار/ مايو، دافع العامري عن السوداني عبر قناة "الجنوب"، موجهاً اللوم إلى دول عربية لم يسمها، "اعترفت بالجولاني... كرئيس دولة"، ما جعل العراق عاجزاً عن رفض دعوته بسبب بروتوكولات جامعة الدول العربية (انظر الشكل 4).

وفي مؤشرٍ على توتر العلاقات قبل الانتخابات بين "منظمة بدر" وجماعة "عصائب أهل الحق" التي صنفتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، قال النائب عن العصائب، عدي عوض لقناة "الرابعة" التلفزيونية في 7 أيار/مايو إن العامري "يغني خارج السرب"، نافياً أن " الإطار التنسيقي" قد أذن للسوداني بدعوة الشرع. وتُعدّ هذه التصريحات واحدة من عدة هجمات شنتها "عصائب أهل الحق" ضد السوداني وضد زيارة الشرع خلال الشهر الماضي.
قوات الحشد الشعبي تقلل من أهمية التوتر حول إزالة الملصقات
يبدو أن "قوات الحشد الشعبي" عازمة بدورها على نزع فتيل الحرب الكلامية حول القمة العربية. ففي الحادي عشر من أيار/مايو، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي صور تُظهر السلطات في بغداد وهي تزيل ملصقات ولوحات إعلانية تصور مقاتلين من فصائل "المقاومة" قضوا في العمليات، بالإضافة إلى شخصيات بارزة أخرى من "المقاومة ". كما تضمن مقطع فيديو، انتشر على نطاق واسع، مقابلات مع مواطنين قرب المواقع التي أزيلت منها الملصقات، حيث اتهم أحدهم بلدية بغداد بإزالة الملصقات استعدادا للقمة العربية.

في الواقع، تدرك الحكومة العراقية جيداً أنها ستبعث برسالة سلبية إلى قادة دول الخليج العربي، وقد تُثير قلقهم، إذا اضطروا إلى المرور أمام لوحات إعلانية ضخمة تحمل صور أشخاص مصنفين كإرهابيين دعموا ونفذوا هجمات ضد بلدانهم بشكل منتظم خلال السنوات الأخيرة. لكن في 12 أيار/مايو، نشرت مديرية الإعلام في "قوات الحشد الشعبي" تغريدة نفت فيها رسمياً هذه المزاعم، ووصفتها بأنها "معلومات مضللة" (انظر الشكل 5).
نتائج رئيسية
لطالما قدمت مثل هذه اللحظات رؤية كاشفة لخطوط الانقسام بين فصائل "المقاومة". ففي مثل هذه الأوقات، تظهر التوترات الكامنة بين الدولة العراقية، بقيادة رئيس الوزراء المفترض محمد شياع السوداني، و"الإطار التنسيقي" الذي يضم فصائل مُصنفة إرهابية (والذي عين السوداني فعلياً "مديراً عاماً" له). وتضيف انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر طبقة أخرى إلى هذا التوتر، فالداعمون الأساسيون للسوداني في مسعاه للحصول على ولاية ثانية - هادي العامري، والأمين العام لـ"هيئة الحشد الشعبي" فالح الفياض - يرون ضرورة حمايته باعتباره مرشحاً ورجل دولة. في المقابل، يبقى أبو فدك، نائب الفياض الاسمي في "الحشد الشعبي" - وهو شخصية مدرجة على لائحة الإرهاب الأميركية (ويظهر مع مصطفى سناد في الشكل 1) - على هامش الخلاف بين جناح الفياض والعامري، من جهة، وخصم السوداني في الانتخابات، نوري المالكي، من جهة أخرى.
تشنّ فصائل أخرى من "كتائب حزب الله"، إلى جانب "عصائب أهل الحق" بأكملها، هجوماً على السوداني لأسباب متباينة - فـ"كتائب حزب الله" تعارض زيارة الشرع لدوافع أيديولوجية وشخصية، في حين تسعى "عصائب أهل الحق" إلى إضعاف رئيس الوزراء والإضرار به سياسياً. وفي الوقت نفسه، ينأى ما يُعرف بـ"المستقلين" - مثل يوسف الكلابي -بأنفسهم عن رعاتهم الأصليين، أي منظمة بدر، ويُجرون حساباتهم الخاصة قبيل الانتخابات، فيما يبدو أنهم يتخذون حالياً مسافة محسوبة من السوداني.
ومن اللافت أن أيا من هؤلاء الفاعلين لم يدع عرابهم السياسي، عادل عبد المهدي، ولا رعاتهم في إيران، إلى لعب دور الوسيط في هذه الدراما - وربما يعود ذلك إلى أن الوقت لا يزال متاحا لإبرام تفاهمات قبل الانتخابات، وإلى أن طهران، بدورها، لا تبدو متحمسة لرؤية الشرع في بغداد أيضا.